الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
30 ثم قال تعالى: {وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس} وانما يعني هاهنا الاخوة والاخوات للام وكذلك روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قرأ {وله أخ أو أخت} من أمه فلكل واحد منهما السدس وقرأ الحسن وأبو رجاء {يورث كلالة} وقال هارون القارئ قرأ بعض أهل الكوفة {يورث كلالة} فعلى هاتين القراءتين لا تكون الكلالة الا الورثة أو المال.31 وقوله عز وجل: {من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار} وروي عن الحسن أنه قرأ {غير مضار وصية من الله} مضاف وقد زعم بعض أهل اللغة أن هذا لحن لأن اسم الفاعل لا يضاف إلى المصدر.والقراءة حسنة على حذف والمعنى غير مضار ذي وصية أي غير مضار بها ورثته في ميراثهم.32 وقوله عز وجل: {تلك حدود الله} أي ما منع أن يجاوز وحددت منعت.33 ثم قال تعالى: {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار} أي من يطعه فيما فرض وحد.34 ثم قال تعالى: {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا} معنى يتعدى يتجاوز أي يتجاوز ما حد له.35 وقوله عز وجل: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فان شهدوا فأمسكوهن في البيوت} هذه الآية منسوخة قال ابن عباس كان الامر كذا حتى نزلت الآية {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} فأما معنى الآية المنسوخة فان سفيان والسدي فالا كان الثيب إذا زنا حبس حتى يموت وكان البكر إذا زنا سب بالقول الا أن الفائدة في الآية كان لا يقبل في الزنا الا اربعة.وزعم مجاهد أن قوله: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} أنها كانت خاصة على النساء دون الرجال والتي بعدها على الرجال خاصة وهي {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما} بالسب ثم نسختا بالحد المفروض هذا معنى قوله قال أبو جعفر وهذا الصحيح في اللغة الذي هو حقيقة فلا يغلب المذكر على المؤنث الا بدليل فأما معنى {أو يجعل الله لهن سبيلا} فان عبادة بن الصامت روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» قيل هذا الحديث منسوخ وهو أن الثيب لا جلد عليه وانما عليه الرجم ونسخ هذا الحديث حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان ابني كان عسيفا لهذا وانه فسق بامرأته فافتديت منه ثم خبرت أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وعلى امرأته الرجم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليه ما أخذ منه وأن يجلد ابنه مائة ويغرب عاما وترجم المرأة ولم يأمر بجلدها.ويقال ان حديث عبادة كان في الابتداء وان التغريب لا يجب الا أن يراه السلطان لأنه يجوز أن يكون التغريب منه صلى الله عليه وسلم لشئ علمه من المجلود وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه ان على الثيب الجلد والرجم هو قول أهل النظر لأنه لم يتبين نسخ الجلد مع الرجم فالجلد ثابت وعليه غير دليل.36 وقوله عز وجل: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة} قال قتادة اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل من عصى الله عز وجل فهو جاهل.37 وقوله عز وجل: {ثم يتوبون من قريب} روي عن الضحاك أنه قال كل ما كان دون الموت فهو قريب.38 وقوله عز وجل: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} روي عن عبد الله بن عمر أنه قال ما حضور الموت الا السوق يعني أنه إذا عاين تبين له الحق ولا تنفعه التوبة عند ذلك كما قال عز وجل عن فرعون: {آمنت}.39 وقوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها} قال الزهري وأبو مجلز كان هذا في حي من الانصار كان الرجل إذا توفي وخلف امرأة ألقى عليها وليه رداء فلا تقدر أن تتزوج هذا معنى كلامهما وزاد غيرهما ويتزوجها بغير مهر وربما ضارها ولا تقدر أن تتزوج حتى تفتدي منه فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها} الآية فيكون المعنى لا يحل لكم أن ترثوهن من أزواجهن فتكونوا أزواجا لهن ويجوز أن يكون المعنى لا تتزوجوهن لترثوهن قوله كرها فيكون الميراث وقع منهن بالكراهة منهن للعقد الموجب للميراث.ويقرأ {كرها} والفراء يذهب إلى أن معنى (كرها) أن تكره على الشيء والكره من قبله يذهب إلى أنه بمعنى المشقة قال الكسائي الكره والكره واحد وهو عند البصريين كما قال الكسائي وهما لغتان.40 وقوله عز وجل: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} قال مجاهد هو مثل الذي في البقرة يذهب إلى أن معناه ولا تحبسوهن.ويروى أن الرجل كان يتزوج المرأة فلا تعجبه فيحبسها ويضارها حتى تفتدي منه.41 ثم قال عز وجل: {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} قال الحسن والشعبي يعني الزنا قال الشعبي فان فعلت ذلك صلح لخلع وكان له أن يطالبها به وقال مقسم هذا إذا عصتك وآذتك وقال عطاء الخراساني كان الرجل إذا تزوج المرأة فأتت بفاحشة كان له أن يأخذ منها كلما ساقه إليها فنسخ ذلك بالحدود.42 وقوله عز وجل: {وعاشروهن بالمعروف} أي في المبيت والنفقة والكلام.43 وقوله عز وجل: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج} أي تطليقا وتزوجا.ثم قال: {وآتيتم إحداهن قنطارا} القنطار المال الكثير وقد ذكرناه في سورة آل عمران.44 وقوله عز وجل: {أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا} والبهتان في اللغة الباطل الذي يتحير من بطلانه ومنه بهت الرجل إذا تحير.45 وقوله عز وجل: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض} قال ابن عباس الافضاء الغشيان وأصل الافضاء في اللغة المخالطة ويقال للشئ المختلط فضا.قال الشاعر:
ويقال القوم فوضى فضا أي مختلطون لا أمير عليهم.46 وقوله عز وجل: {وأخذن منكم ميثاقا غليظا} قال ابن عباس والحسن هو قوله: {فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} وجعله بمنزلة الميثاق المغلظ أي اليمين مجازا وقال مجاهد وعكرمة استحلتموهن له بأمانة الله وملكتموهن ذلك بكلمة الله عز وجل.47 وقوله عز وجل: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} يقال كيف استثنى {ما قد سلف} مما لم يكن بعد فالجواب أن هذا استثناء ليس من الاول والعرب تقول ما زاد الا ما نقص وسيبوبه محمد يجعل الا بمعنى لكن المعنى لكن ما قد سلف فانه مغفور أو فدعوه.48 ثم قال عز وجل: {إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا} يقال لم جيء بـ (كان) وهو بكل حال فاحشة ففي هذا جوابان.قال أبو اسحاق قال أبو العباس محمد بن يزيد كان هاهنا زائدة والمعنى انه فاحشة وأنشد فكيف إذا رأيت ديار قوم وجيران لنا كانوا كرام قال أبو جعفر قال أبو اسحاق وهذا عندي خطأ لأن كان لو كانت زائدة وجب أن يكون {إنه كان فاحشة ومقتا} والجواب أن هذا كان مستقبحا عندهم في الجاهلية يسمونه فاحشة ومقتا.والمقت أشد البغض ويسمون المولود منه المقتي فأعلم الله جل وعز أن هذا الذي حرمه كان قبيحا في الجاهلية ممقوتا.49 وقوله جل وعز: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم} هذه المحرمات تسمى المبهمات لانها لا تحل بوجه.ولا سبب الا قوله: {وأمهات نسائكم} فان أكثر الفقهاء يجعله من الاول.وقال بعضهم إذا تزوجها ولم يدخل بها لم تحرم عليه أمها وهذا القول على مذهب أهل اللغة بعيد لأن الشرط لمن يقع عليه ولان قوله: {من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} متعلق بقوله: {وربائبكم اللاتي في حجوركم} ولا يجوز أن يكون قوله: {اللاتي} من نعتهما جميعا لأن الخبرين مختلفان ولكنه يجوز على معنى أعني وأنشد الخليل وسيبويه: خويربين بمعنى أعني والربيبة بنت امرأة الرجل وسميت ربيبة لأن زوج أمها يربيها ويجوز أن تسمى ربيبة وان لم يربها لانها ممن يربيها كما يقال أضحية من قبل أن يضحى بها وكذلك حلوبة أي يحلب قال الشاعر فيها اثنتان وأربعون حلوبة سودا كخافية الغراب الاسحم.50 وقوله جل وعز: {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} حليلة الرجل امرأته والرجل حليل لأن كل واحد منهما يحل على صاحبه.وقيل حليلة بمعنى محلة من الحلال والحرام قال الشاعر وحليل غانية تركت مجدلا تمكو فريصته كشدق الاعلم فأما الفائدة في قوله: {من أصلابكم} فهي على اخراج الحليلات كان بنات الادعياء المتبنين من هذا غير أن {في حجوركم} يدل على التربية.51 وقوله جل وعز: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} فهذا استثناء ليس من الاول والمعنى لكن ما قد سلف فانه مغفور.52 وقوله جل وعز: {والمحصنات من النساء} قال علي وابن عباس وأبو سعيد الخدري هن ذوات الازواج لا تحل واحدة منهن الا أن تسبى قال عبد الله بن عباس نكاح ذوات الازواج زنا الا أن تسبى وقد كان لها زوج فتحل بملك اليمين وقول آخر أنهن الاماء ذوات الازواج إذا استؤنف عليهن الملك كان فاسخا لنكاحهن.روي هذا عن ابن مسعود وأبي بن كعب وجابر وأنس.وقول ثالث قال أبو عبيده {إلا ما ملكت أيمانكم} الاربع وأحسنها الاول لحديث أبي سعيد الخدري (أصبنا سبيا يوم أوطاس ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا رسول الله فنزلت هذه الآية فاستحللناهن).53 وقوله جل وعز: {كتاب الله عليكم} أي فرض الله عليكم وقرئ {كتب الله عليكم} أي فرض الله تحريم هؤلاء ولم يقل انه لا يحرم عليكم سواهن وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها».وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب.54 وقوله جل وعز: {أن تبتغوا بأموالكم محصنين} محصنين أي ناكحين غير مسافحين قال مجاهد أي غير زانين.وأصله من سفح إذا صب كما قال الشاعر: فسمي الزنا سفاحا لأنه يمنزلة الماء المصبوب.55 وقوله جل وعز: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} في معنى هذه الآية قولان أحدهما أنها منسوخة وروي عن سعيد بن المسيب ذلك وروى عكرمة بن عمار عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله جل وعز حرم أو أهدر المتعة بالطلاق والنكاح والعدة والميراث».وروى مالك عن الزهري أن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب رحمة الله عليهم والحسن بن محمد بن علي أخبراه أن أباهما أخبرهما أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لابن عباس انك رجل تائه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وقالت عائشة حرم الله المتعة بقوله: {والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} والدليل على أن المستمتع بها غير زوجة أنها لو كانت زوجة للحقها الطلاق وكان عليها عدة الوفاة ولحق ولدها بأبيه ولتوارثا.
|